يرى الأكاديمي والباحث في الشؤون التربوية ومفتش سابق في التربية الوطنية عبد الحق زواوي، في حديثه، عن استغلال التكنولوجيا الحديثة المتمثلة في الألعاب الرقمية في توثيق وحفظ الإرث الثقافي الجزائري، يرى بأن عملية توثيق وحفظ التّراث الثّقافي ونقله للأجيال يشكّل تحدّيا أو رهانا أساسيا وحتميا للمحافظة على الخصوصية الثّقافية في ظلّ عولمة هدفها القضاء على هويّات الشعوب، وتوحيدها تحت قيادتها.
وأشار الأكاديمي عبد الحق زواوي في تصريح لـ«الشعب”، إلى أن عملية نقل التراث الثقافي تستوجب تنقيته من الشّوائب والعمل وفق وسائل ديداكتيكية لتعليمه، خاصّة من حيث الجانب العاطفي الاجتماعي، في إطار ما نسمّيه تعلّم القيم، مضيفا أنه مجال يهتم بترسيخ القيم المحقّقة لتمايز الإنسان الذي تنشده المنظومة التّربوية، تأهيلا له للتّميّز ومنه تحقيق المكانة اللاّزمة بين الأمم وفقا لما هو محدد في القانون التّوجيهي للتّربية الوطنية، التي نصّت صراحة على ترسيخ عملية الشّعور بالانتماء للشّعب الجزائري في نفوس أطفالنا وتنشئتهم، وحب الجزائر وروح الاعتزاز بالانتماء إليها، وكذا تعلّقهم بالوحدة الوطنية ووحدة التّراب الوطني ورموز الأمّة لتحقيق الوعي الفردي والجماعي بالهويّة الوطنية.
كما اعتبر الباحث في الشؤون التربوية، بأن الألعاب الإلكترونية بوصفها وسيلة لا غاية، تلعب دورا حاسما لما توفّره من تنوّع وتفاعل وانتشار وتأثير سواء كانت فردية أم جماعية، فهي من حيث المواصفات والشّروط الدّيداكتيكية ـ يقول ـ تشكّل وسيلة مثلى لإثارة الاهتمام لدى المتعلّم ومنه رفع دافعيته للتّعلّم، فنقل التراث الثقافي بطرق تفاعلية وجذابة، يزيد في اهتمام الأجيال الجديدة في فهم تاريخهم ومقوّماتهم، على اعتبار أن هذه الوسيلة تحقّق الغاية منها في ظلّ الإقبال الشّديد عليها.
وأكد في السياق، على أهمية صناعة محتوى من الألعاب يعتمد على قصص تاريخية وتستخدم مواقع أثرية، تبرز من خلالها الفنون والحرف التّقليدية بشكل مدروس ومبتكر لضمان تحقيق أقصى استفادة، على اعتبار أنه يمكن لهذه الألعاب الإلكترونية أن تعكس ذلك الدور الحيوي والحفاظ - حسبه - على التراث ونقله للأجيال القادمة، لاسيما في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، مع الحرص على الابتعاد قدر الإمكان عن الانبهار الذي يمكن أن يحول هذه الأداة إلى غاية في حد ذاتها، يصبح على إثرها أبناؤنا ضحية الإدمان على هذه الألعاب، ولا يجنون منها إلا جفاف العيون واكتساب القيم الخاطئة والسّلوك العدواني والانعزال عن المجتمع، بل حتّى التّأثير على التّحصيل الدّراسي وغيرها من الأضرار الجسمية والنفسية والأخلاقية.
محدثنا أكد أيضا على أهمية تطوير الألعاب الإلكترونية وجعلها صناعة ثقافية، من خلال التركيز على جوانب الابتكار والإبداع، مع الحرص على توظيف التراث والثقافة المحلية، عبر تسهيل عملية التسويق الفعّال ودمج الألعاب في التعليم والثقافة، عن طريق توفير الدعم المالي والفني للمطوّرين المحلّيين لتمكينهم من تطوير ألعاب ذات جودة عالية عن طريق ورشات تدريب مثلا وغيرها من البرامج والوسائل ذات الصّلة، مبرزا أيضا ضرورة الاستثمار في هذا المجال بتشجيع المواهب، باعتبارها من متطلّبات الأمن الحضاري وما يتّصل به من أمن فكري وثقافي.
ودعا الباحث والأستاذ عبد الحق زواوي، إلى ضرورة توظيف الذكاء العاطفي لارتباطه بالقدرة على التعلم والتفكير والتواصل الوجداني لبناء الشخصية، قائلا “قد لا نوفق في توظيف الذّكاء الاصطناعي ونحن مرتبكون أو فاشلون في الذّكاء العاطفي، وهي إشكالية تفرض نفسها على الباحثين والمهتمّين بالشّأن التّربوي حتّى نخرج من النّمطية والإتباع إلى الإبداع والابتكار”.